من يقف فى ميدان التحرير؟؟

رانية فتحي تكتب:
من يقف فى التحرير اليوم ليس هو من وقف بالأمس، من وقف بالأمس كان شبابا واعدا وقف مطالبا بتغيير أوضاع لا يستطيع تغييرها بنفسه وإنما لابد أن يغيرها الأب الذى انشغل بالأمور الخارجية وترك الأمور الداخلية فى يد أفراد لا يتحملون المسئولية، وقد استمع الأب وفهم ووعى واحتوى وأصلح.

أما من يقف الآن فهم ثلاث فئات:

الفئة الأولى هى الإخوان المسلمين وعليهم علامة واضحة فهم يصطفون بانتظام فجأة فى أوقات الصلاة وراء إمام واحد، ولتنظروا معى نسبة من كانوا يفعلون ذلك بالأمس ونسبتهم اليوم فى ميدان التحرير، والإخوان المسلمين قد شعروا بالاضطهاد فى عهد مبارك نتيجة لما تعرضوا له من حظر إقامة الأحزاب أو المشاركة فى الانتخابات كما تعرض بعضهم للسجن بموجب قانون الطوارىء وتعرض البعض للظلم بسبب حسابه عليه وبسبب بعض الممارسات الخاطئة لوزارة الداخلية، والشعور بالاضطهاد عادة يكون مقارنا بمساحة الحريات المتاحة فى المجتمع بدليل أن اضطهادهم فى عهد جمال عبد الناصر كان أكثر بكثير إلا أنهم اليوم يقفون بجانب الناصريون، ولذلك فهم يحملون حسابا شخصيا مع النظام يريدون تصفيته شفى جزء منه فقد الشعب الثقة فى الشرطة وكان سيشفى الجزء الآخر رحيل مبارك بطريقة مهينة.

الفئة الثانية هى من يؤمنون بالاشتراكية من الحزب الناصرى واليساريين بشكل عام، والاشتراكية ببساطة هى أن تتبنى الدولة المواطنين فهى تملك كل شىء وهى مسئولة عن غذاء المواطن وكسوته وتعليمه وتوظيفه وتزويجه وإسكانه ودفنه وفى المقابل فليس من حقه التعبير عن رأيه، ولذلك فأن ينادى الاشتراكيون بالحرية والديمقراطية يعنى أنهم تخلوا عن مبادئهم التى يؤمنون بها أو أن لديهم مآرب أخرى.

الفئة الثالثة هم شباب كفاية و6 إبريل والذين يمثلون مجموعة الشباب التى تحلم بتنفيذ النموذج الأمريكى للديمقراطية فى مصر، وهذا فى رأيى لا يصلح للتطبيق فى مصر لعدة أسباب:

أولا: أن الديمقراطية قبل أن تكون ممارسة سياسية هى سلوك إنسانى أن يحترم كل منا رأى الآخر وإن اختلف معه، وإذا نظرنا إلى أى أسرة مصرية وجدنا الأب هو صاحب القرار الوحيد صائبا كان أم مخطئا، ليس للزوجة رأى مسموع بل هى غالبا ما تتهم بالسذاجة وعدم الفهم، الأبناء يفرض عليهم الطريق الذى رسمه الأب لحياتهم وإذا أبدى أحدهم رغبة أخرى أو فكرة جديدة كان ابنا عاقا لا يقدر أبويه.

ثانيا: إن مهمة عضو مجلس الشعب كما نفهمها أن يكون معبرا عن أبناء دائرته فى مناقشة القوانين التى تعرض عليه لكى تأتى القوانين الوضعية متفقة مع المصلحة العامة، أما مهمته بالنسبة لرجل الشارع فتتمثل فى أنه الواسطة التى توظف ابنه وتحل له مشاكله الشخصية ويزدحم أى مكتب لعضو مجلس الشعب بطلبات وشكاوى المواطنين ولذلك ينجح عضو مجلس الشعب فى الانتخابات عندما يوزع نقودا أو لحوما على منتخبيه، ولذلك لا يمكن أن يكون عضو مجلس الشعب ممثلا حقيقيا لأبناء دائرته إلا إذا كان نزيها، والنزاهة عملة نادرة فى هذه الأيام.

ثالثا: أن نسبة الأمية الحقيقية فى الشعب المصرى تصل إلى 46% تقريبا بخلاف الأمية المقنعة التى تتمثل فى الأطفال المقيدين فى المدارس ولا يعرفون القراءة والكتابة، بخلاف الأمية التكنولوجية، والشعب المصرى لا يشارك فى السياسة فهى لا تعنيه وهو لا يعلم ما يقوله الدستور ولا يعلم من القوانين إلا ما يمسه شخصيا، ولا يعلم عضو مجلس الشورى أو مجلس الشعب أو الأحزاب، كل ما يعلمه هو رئيسه الذى يحكم عليه دائما بمشاعره، ويظنه الناس لذلك ساذجا، وهذا ليس حقيقيا فالشعب المصرى رغم أميته إلا أن بذرته العريقة وفطرته السليمة تعطيه البصيرة فى قلبه لكى يتعرف الصدق والكذب، كما أنه شعبا متسامحا طيبا صبورا يثور ببطء ويهدأ بسرعة، ويرى فى رئيسه الأب الذى يمثل له الأمان والسند ضد ظروف الحياة، وقد جرى هذا المعنى على ألسنة الكثيرين من المؤيدين والمعارضين، وأذكر أن إحدى جاراتى كان زوجها رحمه الله يسجن ظلما لحسابه على الإخوان المسلمين رغم توقف نشاطه، وعند مناقشتى لها فيما يحدث انفعلت وبكت وشكت النظام ودعت بسقوطه، وعندما قلت لها: إنت عايزة مبارك يمشى، قالت لى: مبارك لأ .. ده أبويا.

رابعا: أنه رغم الطنطنة الإعلامية للدولة المدنية والتغنى أن مصر دولة مدنية، فإن الدين يتوغل فى الشعب المصرى منذ مصر الفرعونية ولا أعنى بالدين هنا الديانة سواء كانت الإسلام أو المسيحية، ولكن أعنى بالدين القيم والأخلاق التى تعتبر أساسا لكل الأديان السماوية، ولن يقبل مصرى أن يكون دستوره خاليا من هذه القيم والأخلاق أو أن يسمح بمخالفتها فلن يتقبل المجتمع المصرى البهائية والشذوذ والمرافقة تحت اسم الحرية والديمقراطية.