القصبى شرق
عزيزى الزائرتسجيلك بالمنتدى يشرفنا كثيراً نتمنى منك التسجيل
حتى تستطيع المشاركة فى المنتدى لتكن معنا ( تفيد وتستفيد )
مع تحيات *******
إدارة منتديات * شباب القصبى شرق
وشكراً لك
القصبى شرق
عزيزى الزائرتسجيلك بالمنتدى يشرفنا كثيراً نتمنى منك التسجيل
حتى تستطيع المشاركة فى المنتدى لتكن معنا ( تفيد وتستفيد )
مع تحيات *******
إدارة منتديات * شباب القصبى شرق
وشكراً لك
القصبى شرق
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

القصبى شرق

منتديات شباب القصبى شرق هنا تجد كل ما تبحث عنه
 
الرئيسيةالرئيسية  القصبى شرقالقصبى شرق  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  
نرجو منكم الدعم للرقي والتقدم بموقعنا شباب القصبي شرق
star_love2525@yahoo.com للتواصل مع اداره المنتدي

 

 تلك المقالة أعجبتنى

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin
Admin


ذكر
العذراء
الثعبان
عدد المساهمات : 1044
نقاط : 2010
تاريخ الميلاد : 21/09/1977
تاريخ التسجيل : 24/08/2009
العمر : 46

تلك المقالة أعجبتنى Empty
مُساهمةموضوع: تلك المقالة أعجبتنى   تلك المقالة أعجبتنى I_icon_minitime14/2/2010, 10:59 pm

[color=blue][center]
جلسة لمناقشة رواية لهو الأبالسة
Sunday 14-05 -2006

مناقشة قراءة الأديب غريب عسقلاني عن رواية "لهو الأبالسة" للشاعرة والروائية الفلسطينية سهير مصادفة في صالون نون الأدبي

غزة
عند الخامسة من بعد عصر الثلاثاء 9 مايو عقد اللقاء بين جماعة صالون نون الأدبي وجموع المثقفات والمثقفين في غزة لمناقشة القراءة التي أعدها الأديب غريب عسقلاني عن رواية لهو الأبالسة للشاعرة الروائية سهير مصادفة.
افتتحت الدكتورة مي نايف الجلسة مرحبة بالحضور ثم قدّمت الكاتبة قائلة: الدكتورة الشاعرة سهير المصادفة بنت السيد علي المصادفة من بلدة صان الحجر بالشرقية، وهي خريجة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية.. وذهبت إلي بعثتها باختيار الدولة لنيل درجة الدكتوراه في الاقتصاد من روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. شاعرة لها ديوانان مطبوعان بعنوان "هجوم وديع" و "فتاة تجرب حتفها" والذي حاز على جائزة الأندية بالشارقة، ومؤخرا صدرت لها هذه الرواية بعنوان "لهو الأبالسة". وقد فازت بجائزة اتحاد كتاب مصر الأولى، بالإضافة لإسهامات في مجال الترجمة عن اللغة الروسية. حيث ترجمت عن ا.ن.افانا سيفا حكايات الثعلب ( قصص أطفال)، وألف ألف ألف فكرة من حكايات الأطفال من الأدب العالمي،2001 . وهي دكتورة في الاقتصاد . هذه الرواية هي حالة .. كتبتها المؤلفة في ست سنوات.. وقد صدرت عن مكتبة الأسرة عام 2005، في 383 صفحة من القطع المتوسط.
وبالرغم من أنها الرواية الأولى للشاعرة إلا أنها لاقت احتفاء وقبولاً في الواقع المصري والعربي، ويبرر الشاعر فاروق شوشة ذلك بأن " الشعر يمكنه الكشف عن موهبة سردية طاغية تشكلت بفضلها فصول هذه الرواية المدهشة والمفزعة.
ويقول د. حامد أبو أحمد " لهو الأبالسة" رواية مذهلة ليس فقط لأن صاحبتها شاعرة، ولكن لأنها تكشف عن إطلاع الكاتبة على كثير من فنون السرد العربية والأجنبية، ويقول عبد العزيز موافي " لقد شكلت الرواية مفاجأة حقيقية، لأنها تنم عن أن وراءها كاتبة ذات خيال روائي خلاق، وبالطبع كان للخلفية الشعرية لدى الكاتبة أثر ممتد عبر الرواية، حيث كانت اللغة هي البطل داخل الحدث الروائي.. ومن الأردن يكتب عزمي خميس " إن شعرية لهو الأبالسة المتدفقة أتاحت لها الرؤية الأفقية الشاسعة، وتلك النظرة العمودية ببعديها، العميقة والغائصة في أعماق النفس البشرية وطبقاتها التي يتراكم فيها موروث هائل من المعتقدات والقناعات ومخلفات الأسلاف.
أشارت فريدة النقاش إلى أن الرواية تمزج بين القص والشعر وبذلك فهى تقدم شيئا جديدا في مجالها وتنهض الرواية على بناء مركب ثلاثى الأبعاد كما أنها تعد شهادة على خراب عظيم وعشوائية ممتدة من نموذج الحي الذي تقع فيه الأحداث حوض جاموس وذلك عن طريق علاقات السارد وبين استدعاء ما يدور حوله بالتحليق فوقه ثم الانتقال الدائم بين مشاهد الاتحاد السوفيتي والفكر الاشتراكي الذي واكب المرحلة ذاتها وبين القطع الذي تحدثه سمكة الجيتار بسيرتها وشكلها وبين البحر الذي تعيش فيه كطبيعة دالة. وأوضحت فريدة النقاش أن سمكة الجيتار في رواية "لهو الأبالسة" هي الملك المتوج الساهر على اللهو الذي تمارسه شياطين والسمكة هنا ترمز إلى امتلاك اليقين في وجه اللهو الذي يغلف العمل كله في ظل قلق وجودي دائم وأكدت النقاش على أن انعدام الوزن هو السمة البارزة في النص لأننا منذ البداية نجد أنفسنا أمام حلول النهايات وأمام بطلة تزدرى ما ترتكبه وهناك أيضا السخرية كتقنية هامة وفعالة في النص.
وفى دراسته ألمح الروائي عبد الستار حتيته إلى أنه بعيدا عن حكاية الرواية والعلاقات الشخصية بين شخوص الرواية هناك خيط توصلت إليه المؤلفة وأمسكت به وأجادت تضفيره وهو الجانب الثالث من الرواية أي الجانب غير المرئي روح النص الذي يبقى مع القارئ مشيرا أنها دخلت منذ بداية الرواية في التناقضات الظاهرة لشخصيات الرواية وبيئاتها وهو الأمر الذي لا يتراءى كثيرا في الروايات العربية.اختتم عبد الستار حتيته كلامه بأن الرواية تحفل بعمق التناول وبساطته وبلغة شعرية تتماس مع الواقع والموروث في آن.
وهذه الرواية الطويلة من الصعب أن ترويها لأحد.. ولكن يسهل قراءتها بمتعة شديدة، وذلك لكثرة التفاصيل التي تحفل بها الرواية. كما أنها سريعة الإيقاع مما يجعل القاري يلهث وراء أحداثها في احد الأحياء العشوائية وهو حي 'الزريبة'.. التي صار اسمها 'حوض الجاموس' مما يذكرنا بما يشبه النكتة عن واحد اسمه 'سعد بلغة'.. فنصحوه بتغيير اسمه.. وبالفعل قام بتغيير اسمه إلي 'سعيد بلغة'!.. والرواية تنتقل بك في سرعة من حي عشوائي عبارة عن 'عشش' من الصفيح والكرتون وأكياس البلاستيك.. وابدأ ما عرفت ضوء الكهرباء أو 'نقاء' الماء؟ إلي موسكو حيث الجمال والخضرة والنظافة والفنون ومسرح البولشوي وموسيقي شهرزاد لكورساكوف.
تقول سهير المصادفة: أكتب عن المهمشين لأن القابضين علي مقدراتنا أراجوزات، وأكتب عن وشخصيات ملحة تحثني علي الأخذ بثأرها من هذا العالم.
رواية ترصد بلغة شعرية لحقبة بالغة الدلالة في تاريخ الشعب المصري، وتلتقط بقعة عميقة الغور في جغرافيته، وترسم بأصابع الناحت شخوصاً من لحم ودم، يمشون في الأسواق ويتشاجرون مع تفاصيلهم الصغيرة. لكنهم أيضاً يرتكون إلى أحلامهم العريضة فيتجاوزون اللحظة الآنية، يكتبون ذكرياتهم في مدونات لا يتاح لها أبداً أن تنشر، ويغنون بلإقاع له خصوصية السحر، وطعم الغربة والحنين، وأحياناً يرتقون حالاً مغايرة، ويبدلون وضعاً بوضع حتى يبدوا وكأنهم محض أساطير.
في روايتها نجد الحكي لا الحكاية، هو سيد الموقف، فهي رواية شخوص وأماكن وزمن، مكانها متراوح بين "موسكو" وبين "حوض الجاموس" وهي منطقة عشوائية مصرية ترزح في فقرها وسكان حوض الجاموس لهم طقوسهم وعلائقهم وقاموسهم اللغوي المكشوف الذي يدل علي واقع أشمل في سبيله للانهيار.
الرواية طوال الوقت تقع أحداثها في الظلام رغم لغتها الشعرية ما دلالة هذا؟.
-- رمز الظلام عكس التنوير، وأننا ماضون إلي النهاية وهذا هو واقع الحال بالنسبة لحضارتنا العربية واللغة جاءت ضرورة لسياق سردي فادح، يتطلب حضور الحس الوجداني والإنساني الواضح، غير أنني لا أنفي إنني مدنية للشعر في الأساس، و "لهو الأبالسة" وصية إبداعية لي وشاهدة علي زمن مترد نعيشه ولضياع نحن مقدمون عليه، وأنا لم ألعب علي اللغة، وإنما اعتبر أن هذه كانت اللغة التي ينبغي للرواية أن تتحصن بها والموضوع طرح نفسه واستدعي كافة أدواتي بما فيها أدوات الشعر، وأنا ضد سيل الروايات الذي يواجهنا هذه الأيام بدون أدوات تخص الكاتب سواء اللغة أو الوجدان.
ان الباحث عن أي شيء يجده في الرواية.. من فن وشعر وموسيقي ورقص وغناء.. ودراما أو صراع ونجد فيها أيضا الشمس والقمر والنور والظلام والصمت والكلام.. والحب والعشق والغرام وكل هذا من درجات الحب من هوي .. وصبابة ووجد، وهيام، وتتيم، وهو اعلي درجات الحب عند الصوفية.. أصحاب العشق الإلهي الذي يذوب فيه المحب في ذات المحبوب وهو الله سبحانه وتعالي.
تقول الكاتبة إن "الأبالسة" هم من يملكون مقدرات المهمشين ــ بالتأكيد ــ إن هؤلاء لو نزلت الأبالسة على ارض الواقع لن تفعل فعل هؤلاء فى المهمشين خلال الثلاثين عاما الماضية.ولكن من باب الدفاع عن النفس والتندر من المهمشين أنفسهم أصبحوا ــ أيضا ــ أبالسة.هل تعتقد أن تنحى كل المهمشين عن المشهد واتسامهم بالدروشة، وادعاء أن الأمر لا يعنيهم، وان الحياة ــ نفسها ــ اقل من أن يلتفتوا لتحسينها وأنهم لا يريدون تغيير أي شيء، واتكاءهم على يقين تمجيد الموت، أو حياة ما بعد الموت، أليس هذا رد فعل إبليسى على ما يفعله فيهم الأبالسة.
ثم قدمت ملخصا للرواية، بعدها قدّم الأديب غريب عسقلاني ورقته المعنونة بجنة تضاريسها وعرة، قراءة خاصة لتناسل الأسئلة في رواية لهو الأبالسة، للكاتبة سهير المصادفة، وقال فيها:
في روايتها الأولى والمفاجئة "لهو الأبالسة" تقطع سهير المصادفة مسالك الوقت ودروبه في انتظار الرجل/ الحلم "ذلك العربي الجميل ربع القامة ذو اللحية المهذَّبة الأنيقة - يقطع المدى –(زمن الرؤيا) - بخطواته الواثقة مسرعاً في البداية متمهلاً ربما ليتيح - لها-فرصة تأمله جيداً –(وهو)- يخلخل منظومة انهمار الثلج في المجالات التي يمر عليها …"، فلا تملك مع بهاء حضوره إلاّ أن تنزلق مثل سمكة الجيتار العارية من جلدها، تغفو قليلاً على ذراعيه، وعيناها مفتوحتان على اتساعهما لتتبع المشهد، تاركة إياه يصفعها على كل جزء من أجزاء جسدها (وهي العارية كما الحقيقية في ذروة نشوة الامتلاك وكأنه القدر) … يجرجرها في دوامة بعد دوامة فتستريح قليلاً على كتفيه تواصل الانفلات... قدما نحو الشاطئ لتملأ الفضاء، بلحن لم يسمع من قبل فيشرع (ذلك الجميل) آذانه ينتظر، وينتظر، والعربي يتحول انتظاره إلى عذاب أزلي، وكأن الأقدار نذرته فارساً في لعبة عبثية خاسرة، يقف فيها مشدوهاً يعلن هزيمته أو ربما دهشته من رحلة أخذته في مسارات لولبية مثل زوبعة الهواء عند تفريغ الضغط، حاملة معها نثار الأرض في سحابة عمودية مثل ثعبان يصعد إلى الفضاء ناقدة الإحساس بجاذبية الأرض. تندغم فيها حالات النصر مع الهزيمة، ولكنها في النهاية تصب في مجرى الإحباط الذي لم يكن (هو) فاعلاً مباشراً فيه…، هذا العربي الأصيل يتحسس رضوضه وخدوشه وينفتح على بوابات الألم مع النزف على امتداد رقعة الرواية، مشدوداً أمام الأبواب المغلقة، (على الرغم من معرفته بكل زوايا الممرات والمسالك) إلى امرأة عبرت تحت جلد سمكة، وأخذت تتأوه وتتدفأ على لظى شبق من نوع فريد.
يجأر العربي أحمد الدالي مندهشاً "تبكي رحيلي وأنا بين يديها، تغلق عليَّ مسالكها جمعاء، ولا يتبقى لي إلاّ أن أرحل فعلاً كما الطير، تريد لي أن أحبها إلى أن تموت بين يديَّ أغنية من برتقال، ولا تريدني أن أجهز عليها بقبلة طويلة لكي تحمر الأرض بزورق ربما فيه خلاصنا"، لكنها سمكة الجيتار/الراوية، لا تستجيب لذلك الخيار/الحل. لأن فيه استعجال لنهايات مقدرة لم يتفق عليها. فالاتفاق كما تراه مها السويفي (أن يكون هو الذئب والشاه في آنٍ واحد. وألا أكون حداً من القرنفل (طوق نجاه) لأن قدره أن يبقى مشدود مثل وتر القوس، وبذلك ترفض هي المعادلة التي يأخذها إليها، محدثة أختها نجوى ..أنظري كيف ينام مثل طفل وأنا لا أنام..هل هذا غسق أم اكليل موتي.!؟
أي موت ذلك الذي تسعى إليه الراوية/ مها السويفي، وأي استنكار تبنى عليه روايتها وموقفها من أسئلة الوجود، وأي علاقات وتجارب خاضتها، وهي الطالعة من نشأة هي والأسطورة صنوان .. فأي لغة تحمل اللحظات المتفجرة بين فواصل الأيام والأحداث، وعلى أي المواريث والمعارف ترتكز أسئلة تطارد المستقبل لاهثة تسبق القارئ لتعبد له مسالك الولوج، وفي بعض الأحيان تسد عليه (وعن مشاغبة) نوافذاً يخيل إليه أنه يرى النور من خلف زجاجها.. فالراوية تقدم عالماً كامل الضياء والألق، في واقع تسوده العتمة المفروضة، وتحيله إلى هامشي أسود خارج عن نبض الحياة زاخر بنبضات الموت، يمارس الحياة بشراسة مذهلة تضع الإنسان في اختبار الرغبات والشهوات النظيفة والقذرة، يتجاور معها الخير والشر في انسجام عجيب يصل إلى حد التكامل أو التطابق، وكأنهما وجهي حالة واحدة، للحد الذي يبيح أن يقتل الواحد ذاته في اغتيال أخاه، أو أمه وأباه، ويتشظي ليعيد لملمة حالاته بحثاً عن كيان متجدد، يولد من رحم آخر موهوماً أن في ذلك الخلاص..، أي خلاص والحالة برمتها أسيرة شبكة تتعامل مع الوهم كحقيقة والحقيقة فتبدو الأشياء نسبية، وتصبح الحياة ثعبان شبق خرج من نفق الأرض إلى ضوء النوافذ يغيّر جلده، ويشف كما تشف الملائكة عندما تغتسل بضوء الفجر مع بكارة التسابيح الأولى … تصبح الثعابين نورانية وتتشيأ الملائكة أسراب حشرات أو جحافل هوام قاتلة سامة …
كيف يمكن حمل ذلك، وعلى أي الوسائط أو قل على أي المحفّات؟ …
لا يستطيع هذا غير لغة شعرية أو رؤية شاعرة، تفيض على جوانبها الصور، وتندغم بين فواصلها الأزمنة لتصبح المفردة زماناً، ومكانا،ً ويشكِّل سرداً خلاَّباً فيه من الغموض الفاضح ما يحمل القارئ إلى يقين الإحساس بهامشية الحالة والعجز عن فك رموزها، ما يجعل السباحة في فضاء الرواية رياضة مفاجئة، يشهق معها القارئ ملئ رئتيه حتى يمتلئ بهواء العشق المغمس بالعذاب الجميل، ما يجعله يرى رهافة الدم، وهو يمضي في دهاليز الآدميين الذين تسطرهم الأحداث، على أجنحة الرؤى المفضية إلى كوابيس تشنق الروح بأنشوطة خيوطها من حرير ناعم، تستدرجه إلى ذبح اختياري في لحظة وجد خاطفة/ فارقة …
ثم: ها هي مها السويفي تعود من رحلتها العجيبة، وما زال ندف الثلج معلقاً فوق رموشها، وعيناها مفتوحتان على اتساعهما، تحط بها الطائرة في مطار القاهرة بعد غياب طويل في روسيا، ينتظرها زوجها أحمد الدالي وأختها نجوى، يمضيان بها إلى بيت الدالي في حي الزريبة الذي ارتقى اسمه إلى حوض الجاموس … تعبر بهم السيارة إلى شارع ضيق ملتو، كتب على أول جدار فيه وبخط رديء (شارع طه حسين) فأي مفارقة هذه التي تلقى بطه حسين منفياً مهملاً في حي الزريبة، فهل أطلقت الكاتبة أول قذائف الفجيعة؟ أم أنها تلتقط من الواقع ما يهيئنا لولوج دروب مواجع قادمة، ستشهدها "البيوت السودات المبطوحة على الأرض، والمستاءة من عدم القدرة على هش الذباب الأخضر عن وجهها".
في بيت الدالي الكبير تعيش مها السويفي مع دمها النازف، السائر بها إلى الإجهاض، فقدرها أن لا يسكن جنيناً في رحمها، وأن لا تغادرها اجنتها إلاّ بعد أن تضرب فيها جذورها، تمتص دمها بشراسة لا ترحم، تستل منها الحياة قبل أن تغادرها قطعة لحم (طرح) بعد أن تغرق بلاط الدار والفراش والأقمطة والحفاظات بدم وردي.. فقد أخبرها الأطباء في موسكو بعد إجراء الفحوصات الدقيقة أن شيئاً ما (ربما سموم ساكنة فيها أو عوامل وراثية كامنة متحفزة) تنزع مشيمة الجنين من خمائل الرحم، ما يؤدي إلى نزيف طويل ينتهي بطرد الجنين طرحاً يطرح السؤال على مداه حول استحالة التوافق بينها وبين زوجها أحمد الدالي فهل كانت العلاقة ا(الفكرية هنا) على تناقص مخبوء عبر عن ذاته في لحظة الاختبار/ الانفجار؟ أم أنه سحر السالب في موجبة وانجذاب الموجب إلى سالبة كما يتبدى في تجليات النزع الأخير عند عبور ذلك البرزخ الشفيف الفاصل بين الحياة والموت."للروح أمكنة تجوبها غير الجسد".. "وكل كمال إلى زوال".واكتشافها في نهاية الرحلة أنه (حينما يوجد العشق الحقيقي يضيء العاشق في وجود المعشوق). فأي لعنة تلاحقها، وأي جحيم يأخذها إلى أتونه صباح مساء، وهي التي عاشت مثل "سمكة جيتار حمقاء تنتظر شبكة تصيدها، وتترك بيضها وهي ليس لها بيض تتركه …".
أي ضوء يتراقص في نهاية النفق، وأي سراب يأتيها مع وهم اليقين، واليقين كشف متأخر يقصفها مع قذيفة الصمت الأبدي لأن (الشياطين وحدها أنسب مخلوقات الله لامتلاك اليقين). فأي رعب يوافق هذا العصف الذهني، والفيضان العاطفي، وانفجار الشهوات في مواقيت مفاجئة، فكيف يمكن تطويعها في ضفيرة سورية تبحث عن مساريها، وتتعرف على مجاريها.. وبأي الأدوات تكون وبأي الأجنحة تطير والمرأة الراوية شاعرة محمولة على فيض الصور، معجونة مع شرر الكشف، تتلظى في صقيع التجربة مأخوذة بالموروث ومسلوبة أمام الحكايات والتاريخ، مزحومة بالتجارب السابقة، جاحظة عيناها على تداعي التجارب المعاصرة..ذلك كله على ضفاف أيديولوجية مادية ترعرعت بذارها في ديالكتيك التاريخ ومفاعيل قوى الاقتصاد المبني على التصادم الأزلي مع فائض القيمة.. الامتحان عسير.. والحصاد مر، والتداعي يزلزل الأرض تحت الأقدام، فكيف يكون الهروب من الهروب..والحالة مثقلة بآلاف الحكايات المقطرة من وعي الإنسان منذ أن وجد على الأرض.
ذلك هو الامتحان الذي دخلت فيه سهير المصادفة بجرأة تحسد عليها، وراحت تبحث عن طوق نجاة في فضاء تلهو فيه الأبالسة دون رقيب ولا حسيب. لكن الكاتبة عثرت على أدواتها وجريتها باقتدار على لغة شعرية محملة بالشفرات والرؤى، تشكل اللامعقول معقولاً ما يجعل السحري واقعياً مقنعاً من خلال العودة بالسرد وفي الوقت الملائم عبر منولوجات (البوح الذاتي) ضاربة عرض الحائط فواصل الزمان والمكان اندغمت، الأمكنة وانصهرت الأزمنة في بنية تعاملت مع الكشف المتواصل، فجاءت الرواية قصيدة فرضت إيقاعها على رقعة الجغرافيا والتاريخ … ذلك بالعودة إلى فطرة سمكة الجيتار (التي لا تستطيع الغناء تتجه بإصرار نحو المياه الضحلة وتدفن رأسها في الرمل فبداخلها بيض على وشك أن تنتهي فترة حضانته ولديها جسد ستحاول أن تجعله يحكي حكايتها معه ولديها عينان لم تخلقا إلاّ للفرجة).
والفرجة هي، ممارسة الرصد والتأويل واستخلاص القوانين من ديناميكيات الحياة في تفاعلاتها الأولى الأصيلة، على الرغم من ضراوتها وفجائعها التي شكَّلت صيرورة ومركبات الشهوات والرغبات…
فهل يحمل الشعر متاع الرواية ويمتع؟ سؤال طرحته الكاتبة وأجابت عليه بتميز لا يمتلكه إلاّ من ملكته روح الشعر وعذابات الرواية واحتزانهما في مرجل المعرفة، وهنا يأتي السؤال: كيف تصبح الرواية مشروعاً يتأسس على المعرفة؟
والجواب يحيل إلى جدل كبير، ورواية لهو الأبالسة معمار فني يقدم إجابته الخاصة ويسحب دهشة السؤال أمام دهشة الإبداع.
والمعرفة بحث دائم ومؤرق كالذي يلازم نجوى السويفي (على سذاجته) بعد أن طلقها زوجته ليلة الدخلة لعدم نزف الدم الدال على تمزق غشاء بكارتها وهي لم يطأها قبله رجل ولا عبرها حتى إبليس…فهي كالمرجومة بالسؤال القدري، حول من فعل فعلته فيها رغم وجود الاحتمال العلمي الصارم، ولكن زوجها أخذ قراره الصارم وقذفها خارج معادلة الشرف، لتقضي بقية عمرها في محاولة العثور على من عبرها لتضع حداً لحكايتها…فالأمر على عبثيته مؤرق وقاتل مدمر، لكنه الوجه الآخر لرحلة الإنسان، وبقاء الرغبة في الإشباع قائمة على ترويض الذات على أقصى حالات الجوع، ما يفقد الشبع بهاءه في الأرض الجفاف. لكن ثنائية الارتواء والعطش وجدت ما يفجرها عند بطة التي يموت عنها زوجها العربجي تاركاً رأس لها رأس ماله/حمارة، فتعوض جفاف الحياة بعد الزوج، بالارتواء من ذكر مقيم وغير مكلف، فتقيم له طقوسه الخاصة، حيث تتطيب بعجينة من روثه لاستدعاء شبقه، متقمصة طباع ورائحة أنثاه المحروم منها.. وتتمدد له وجبة شهية وتمارس اللذة حتى الموت..ورغم بشاعة الميتة، إلاّ أنها تقذف بالسؤال مثل سهم يفقأ العين التي تعمي عن هياج الحيوان الساكن في الإنسان. وهذا يطرح السؤال المهول والمرعب حول انفجار الطاقة البيولوجية إذا ما تعرَّضت للانحباس الطويل الظالم.
لكن الأمور في حوض الجاموس على بشاعتها تجعل الشعر يغذ السير لالتقاط تداعياته، راكباً قطار المفارقة، حيث يلعب المعتقد والموروث دوراً معاكساً ولكنه مطلوباً لاستمرار الحياة فنجد الناس يقيمون صلاة استغاثة داعين الله أن يحجب عنهم المطر حتى لا تغرق عششهم بينما الأصل أن عباد الله يقيمون صلاة الاستسقاء لهطول المطر المنحبس في السماء حتى لا يجف الزرع والضرع فالحياة والماء نتيجة وسبب [ وجعلنا من الماء كل شيء حي].
لكن الأمر في حوض الجاموس يجعل الجفاف من عوامل البقاء فيصبح النهار أقصر منه قامة على القزعة، وتترف مها السويفي دم بطنها على مدار أربعة أشهر، قبل أن تغرق في النوم ليل ونهار وتهوم في مدار آخر، يوم رقصت في ميدان فسيح من ميادين مدينة كييف الروسية على موسيقى أغنية شائعة.
كم أريد أن أكون معكَ
ولسوف أكون معكَ
في الحياة والموت سأكون معك.
يومها رافقت صديقها وكان بلا أب وكانت هي بلا أم ولا أب، ولكنها تعلمت اللغة فعرفت معنى الوطن.
وهنا تطلق سهير المصادفة أن لغة التواصل بين البشر تتحوّل إلى وطن يسكن فيه الجميع يجمعهم إيقاع الحياة.
".. تلك التي ارتضت دفن رأسها في الرمل، تنتفض من آن لآخر وكأنها تنتهي من كتابة ما لا يبين، لأنها تكتبه برأسها ثم لا تلبث أن تمسحه بجسدها فتمهل أيها الصياد ولا تغرز حربتك فيها.. وتأملها ولا تخشى من هروبها فهي لم تصل القاع الرملي إلا لتدريب جسدها كي يغني أغنية، ولكي تحفر بعض النقوش ثم تستسلم لك.."
ما الذي تدونه مها السويفي في بيت حوض الجاموس، وهل وقفت على روح العلاقة مع زوجها أحمد الدالي، الذي يهرب منها بالزواج من غيرها يبذرهن الأولاد، ولكنه سرعان ما يعود لائذاً بها منها، متوسداً روحه على ذراعها يرضع من مناجاتها وتحيا هي على البوح بين يديه..
أي عشق ذلك المحكوم بالفراق والقطيعة المتكررة تكرار الليل والنهار. هل هو الهروب من الاندماج؟ أم أنه البحث عن السؤال الأزلي بين شقي الروح الموزعة في ذكر وأنثى منذ هبوط آدم وحواء على الأرض؟ وهل هبطت الشجرة المحرمة إلى الأرض شاهداً على خطيئة الإنسان الأولى..؟
مها السويفي بذرة خطأ لأمها ليلى الأصيل ذات الجمال الفريد، وأبيها محمد السويفي الغيور الذي يحبس امرأته حتى لا يراها الناس فيأتون بما لا يمكن تقديره.. والمرأة ليلى الأصيل عاشقة متفانية مخلصة، تموت عندما تنفصل عنه بالطلاق، فهي لا تستطيع التواصل مع الحياة بنصف روح.. والأب يفقد القدرة على التحديق فيها.. ترده تجليات الخالق وتضعه أمام ضعفه في الحفاظ على الالهية فيهرب بها من نعيم حدائق القبة إلى جحيم الزاوية الحمراء خوفاً عليها من عين الملك فاروق عند مروره في موكبه.
وعند الانفصال يأخذها أبوها لأنها تشبه أمها، فيما تأخذ الأم أختها نجوى لأنها تشبه أباها.. "أي قسمة هذه.. أن يترك الواحد الآخر ويبقى معه عن سبق إصرار" ولأن الأب لا يستطيع العيش معها في صورة أمها، ولأن أخاها غير الشقيق يموت تحديقاً في بهاءها فإنه يبعدها عنه إلى مدرسة داخلية تعيش الوحدة واليتم في آن واحد.. حتى تلتقي بأحمد الدالي. فيتزوجها على غير رغبة أهله وبسرعة انجذاب قطبي مغناطيسي يبحثان عن التكامل في بيته رافضة، فينطلقان إلى روسيا هروباً لإكمال التعليم، واكتشاف عالم آخر يتيح لهما اكتشاف الواحد لنفسه وللآخر.. وهناك يشهدان الغربة وانهيار نظام اعتقدا طويلاً بصلابة دعائمه فيصابان بالذهول والتشظي أمام التداعي السريع..، وفي بلاد الصقيع وهي المرأة اللائذة بحياة تحميها، تجد كل من يقابلها مبهور بجمالها، يرى فيها جنية هبطت على الأرض ترافقها هالة من ضوء الحقيقة. والحقيقة أنها امرأة غير مسبوقة جمعت كل أسباب الجمال والبهاء منذ جدتها نفرتيتي وحتى العصر الحاضر. كل من يقترب منها تصيبه البلبلة فلا يملك غير الدوران في مداراتها.. حتى يكتشف أنها الأنثى المستحيلة ذات القوة الطاردة، فيبتعد حاملاً معه بذرة عشق تبقى فيه على مدار الوقت..
أي صورة تسكن فيها ومن أي الأصول جاءت.. والأصل (أمها) لا صورة لها إلا ما اختزنته الذاكرة فارتسم على شبكية العين بقعة بهاء.. فأختها نحوي تؤكد "لم تكن لأمي صورة واحدة، قالوا إنها من شدة جمالها كانوا يجدون بقعة بيضاء على كل الأفلام التي صورتها.."
الألواح الحساسة لم تستقبل صورتها، هل كانت امرأة من أثير ينطبع بياضاً على الألواح أم أنها شفافية من نوع فريد لم يكتشف بعد، لا يترك ملامحاً ولكنه يحتفظ بكل عناصر النقاء والبهاء.. وهل جاءت مها السويفي على صورتها لتشكل معضلة في حياة زوجها أحمد الدالي، فلا يستطيع البقاء معها ولا يستطيع الانعتاق من مدارها.. فيعاقبها بالزواج من غيرها، وتعاقبه بالحب حتى لا يهرب منها.. أي علاقة تعمق التوحد لدرجة الفناء والموت، أم أنه قدر العاشق مع الآخر الذي يحل فيه.. أي صوفية مجبولة بكل القصائد الدينية، الأفكار المادية تشف وتعبر عن طبيعة الأشياء إلى ما وراء الأشياء وتحلق في رؤى خاصة يرافق القص على امتداد الرواية متكئة على وجد اللحظة، راصدة كل القبح الذي يخرج من نفوس راغبة فلا تجد أمامها من وسائل غير اقتراف الرذيلة أو الجريمة أو المعصية. " فنجد حسن أبو أيد خضر، الذي تلامس يده أي شيء فيخضر يضج بقدراته ويطلق زوجته السمراء والبيضاء ويتزوج من جنيه بحثاً عما هو أبعد من المدركات وييذر الجنية نسلاً مغايراً.
ولأن الحياة في حوض الجاموس تسير على نسق مغاير، فإن أحمد القط يضاجع أمه انشراح البستاني بمكيدة يدبرها صلاح العابق الذي يساوم المرأة مقابل بطة مسروقة من حوش الأرملة بطة. وحتى يشهد الحي على الفعل يتناوب عليها شبان حو الجاموس بما فيهم ابنها فهل أدرك لحم أمه، وهل تاهت هي عن رائحته. جريمة لا تقبل أقل من فقأ العين (كما حدث لأديب يوماً)، لكن الشاب أحمد يؤجل هواجسه إلى ما بعد التهام البطة. ولكنه يصحو على غناء الأشقياء "بطة بتدور ع البطة" وكأنهم يعلنون خبراً عادياً لا يثير الاستهجان.. فيهجو احمد العشش إلى المدينة ليظهر فيما بعد تاجر مخدرات ثم مطرباً مشهرواً قبل أن يعود داعيه دينياً تقوده مواريثه إلى حتقه فيما بعد..
أي كائنات تعيش في حوض الجاموس تتعامل مع الجنون عادة يومية، فتشتعل صابحة في عشتها لتموت حرقاً فيما تنشغل نجوى بتفصيل السراويل للدجاجات لتبيض فيها ولا تأكل البيض تاركة قشوره الفارغة.. فيما دم مها يعود إلى النزف وتعود نجوى إلى إزالته عن السطح.. لكن لها تفاوض مها أحمد العتر على تغيير مزاجه، لتصدح مسجلته بأغاني أم كلثوم.. مع إصرارها في نفس الوقت على تغطية المرايا بأوراق الجرائد حتى لا ترى صورتها "فهل في ذلك تعبيراً عن نفي الذات عن الذات أو هو القطيعة مع التاريخ الشخصي وربما الجمعي بكل مكوناته؟"
ربما كان ذلك سؤالاً آخر من الأسئلة التي تتناسل في دروب الرواية؟
* "يعرف الصيادون أن لحمها لذيذ له مذاق نادر، بالرغم من رائحة النشادر التي تفرزها. ولن يلتفتوا إلى شكلها الذي يشبه آلة موسيقية، وإلى سلالتها المتوحشة.. سيتندرون عليها وهي تدفن رأسها في الرمال ولن يوجعهم تهيؤها للغناء".
ولأن الصياد لا يؤلمه نحيب الضحية، فإن انشراح البستاني تعترف بسرقة البطة لطرد تهمة الزنا عنها، ويذهب ابنها أحمد القط في تسويق تفاصيل عملية السرقة، صاعداً على هول الفجيعة ومكابراً على جرحه الذي سببه صلاح العايق.. ولأن انشراح البستاني بيضاء في سريرتها، فإنها تستثمر العملية الانتخابية وتقوم بشراء وبيع الأصوات للناخبين متخذة من الأمر عملية تجارية مشروعة، ورزق زحف إليها نصيباً مقدراً. وهي المرأة الغريبة في صراعها مع الخصوم فإذا غضبت من امرأة من ساكنات العشش توسعها ضرباً وتنزع عنها سروالها وتعلقه على عصاة أمام الجميع بعد أن تكون قد كشفت عضو المضروبة وجعلته فرجه مباحة لمن يرى.
"أي حقد في هذا أم أنه تفريغ ظلم كبير وقع عليها من الغير.."
هذه المرأة ذات الشعر الجميل التي تعيش مع زوجها حجازي القط ذو الجسد الفارع والطلة الجميلة العاشق القديم الذي مازال يعيش مع جمال عبد الناصر وعبد الحليم حافظ وأم كلثوم بعد أن شارك في حرب الاستنزاف دفاعاً عن كرامة الوطن، والذي يحب زوجته حباً جما ويرثي لحاله التعس ويلعن جده الساذج الطيب الذي عثر يوماً على كنز سلّمه للشرطة واكتفى بمكافأة قيراط من الأرض باعه في زمن الكوليرا ليعيش بعدها في فقر مدقع يورثه لأولاده وأحفاده الذين يصارعون من أجل البقاء..
كيف يكون عشق الفقراء وها هي وردة تقطع زوجها مائه قطعة تبعثرها ثم تعود لتجمعها من جديد، وتصر في اعترافها أنه لو عاد إلى الحياة ثانية ستقتله ثانية لأنه ربما فكر بالزواج عليها، بعد ان تحركت في كفه تفرد الانتخابات..
ما الذي تراه مها السويفي وما الذي تسمعه في حوض الجاموس، لا يسعفها غير الشعر لوصف حالها وزوجها لتصحو من غيبوبة التهويم على مفارقة جارحة تسأل زوجها: لماذا كل رجال الأعمال الناجحين مثل أحمد الدالي كانوا شيوعيين سابقين.
وقبل أن ننتظر الإجابة التي لن تأتي، تعود إلى محطة بافلسكي في موسكو وتمثال بائعة الدجاج الفتاة تانيا الطويلة ذات الثوب الأسود، الشاهدة على التجربة السوفيتية الحافظة لتاريخ المدينة والرقيبة على الطرقات والمسالك، التي ترحل مع حبيبها سلاف (الطويل مثلها) إلى مدينة توفر حاجات الآدميين طوال القامة..
تانيا تلقي برأسها الجميل على صدر سلاف بعيداً عن مستوى الأرض، وتمارس معه وإياه بكاء العاشقين الذي يشهدون بعد غياب العدل كيف يحول تمثال تانيا الطويلة إلى معلم سياحي، وكيف ينشغل المسئولين بتغيير ملابسها إلى ملابس قصيرة تعري ساقيها وإظهار مساحة كبيرة من ثدييها، أو زراعة النوافير الباذخة من حولها..
وها هي مها السويفي تكتب الحياة على جدران البيت في حوض الجاموس، وتستحضر سيرة أبيها الذي عشق أمها لدرجة الفراق وعذبها معه بعذابه فيها لا يفارقه طيفها، مثل على القزعة الذي يطارده طيف بطة، فيتأخر عن إصلاح سيارة المأمور الذي يلقي به في السجن، وعندما يطعن أحدهم المأمور على خلفية الانتخابات، لا يكون غيره ضحية جاهزة، ولكنه يستبق الفرار بالتلاشي متحولاً من حقيقته الآدمية إلى وهم ليقبضوا على الريح، بعد أن تدورت روحه وسكنت روح بطة التي مارست شبعها حتى التمزق والموت.
* مها السويفي تبحث في مدوناتها، تهرب منها الأقلام والأوراق، فهل تهرب منها جدران البيت أيضاً.. وهل تهرب المرايا خلف ورق الجرائد. وهل ترى صورتها بالفك المكسور والعين المفقوءة، والوجه المشوه، اعتقاد منها أن في ذلك صورها الحقيقية والتي يصفها أحمد الدالي لآخر زوجاته أم أن ذلك نتيجة الاختلال في علاقة محمد السويفي وليلى الأصيل أو العلاقات التي أثمرت أحمد الدالي منذ جده أحمد الدالي الكبير الذي أحب عزيزة الفلاحة الفقيرة المتعلمة فأخلصت له وسلمته نفسها، فسكنه الخوف من خيانتها له فتزوج سوسن التي كانت تعامله كذبابة. فيما عزيزة تسقط في المرض مصدومة ينتشلها معلمها الفرنسي ويتزوجها وتظل طيفاً يطارد الدالي فيبيع أملاكه ويسافر إلى فرنسا، للبحث عنها دون جدوى.
قدر الدالي أنه لم يقابل امرأة في قوة انشراح البستاني تقف له، كما وقفت لمصطفى الرمرام الذي غرر براوية بنت عنايات ورفض الزواج بها بحجة الدالي الأول..
أي خلل يسكن الرجل الشرقي لدرجة التدمير بين حبة للتملك وقدرته اللانهائية على الحب والعشق..
ماذا تكتب مها السويفي في مخطوطها الذي تمزقه وتهرب إليه من جديد، يستبد بها الشعور "مثل قطرة ماء وسط ذلك الاتساع غير المحدود من المياه تخاطب نفسها. ماذا أساوي وأنا وسط هذا المحيط الهادئ، إنني لاشيء في هذه الحياة ذات الأعماق السحيقة، وبينما هي تخاطب نفسها تلتقطها المحارة المفتوحة وتغلق عليها فتتحول المرأة/ السمكة من قطرة ماء إلى لؤلؤة ثمينة تختزن ابنتها الطويلة".
أي أغنية تلك التي ستنظمها، ومن أي الحكايات تجمع كلماتها، ومن أي رؤى ستعثر على إيقاعها وحوض الجاموس غارق في العتمة يقدم الحياة عارية صاعقة في براءتها ووحشيتها، مذهلة في واقعها الذي يفوق الخيال،فأحمد أبو خطوة يتزوج من جنية وينجب منها 26 ولداً أسماهم جميعاً على حرف الشين، وصار صاحب خطوة تظهر وتختفي في أكثر من مكان على هيئة درويش من أتباع الطريقة الأحمدية.. وكأنه طالع من ثنايا ألف ليلة وليلة ليقتفي آثار فاديم ايفانوفتشي الساخر الذي تتردد حكاياته في أكثر من مكان سارداً قصته عندما كان خادماً في الدير وذهب يستحم في النهر تاركاً ملابسه على الشاطئ، فيتصادف مرور حسناوات برجوازيات يأخذن ملابسه ما عدا القبعة التي يستر بها عورته فيساومنه أن يرفع يده اليسرى فيستر عورته بالقبعة في يده اليمنى، ثم يطلبن أن يرفع يديه معاً فتظل القبعة مرفوعة ولا تسقط، فلا يملك غير توجيه الشكر لتلك القوى التي جعلت القبعة مرفوعة.. ذات السخرية التي يوزعها حول سقوط جدار برلين مع أصدقاءه الذين يضرعون إلى الله أن يسقط الجدار بعد خيانة زوجاتهم لهم.
وعندما يسقط الجدار يدعو ايفانوفتشي إلى شرب أنخاب الزوجات اللواتي ينقذن أزواجهن وقت الشدة بالخيانة الزوجية.
فهل كان على معلمة اللغة الانجليزية الجميلة، التي تزوجت على غير رغبة أهلها وسكنت مع الشاب الفقير في حي الجاموس، أن تخون زوجها دفاعاً عنه. أم تظل أمينة لنشأتها وتقاليدها، وتعامل الأوباش بارستقراطية مترفعة حتى بعد أن تناوبوا عليها اغتصاباً.. إلى أن جاء أهلها بعربتهم الفاخرة وأخذوها وكأن شيئاً لم يكن.. لكن الزوج ماجد المقهور/ المطعون يهرب إلى بلد عربي يبحث عن رزقه.. من المنتصر ومن المهزوم في حوض الجاموس.. والحياة ماضية تقدم ضحاياها إلى المحرقة أو الجنون كما حدث مع عدلات الذي سقط زوجها في خلاطة مصنع الحلوى، وذاب مع العجينة، فعوضها صاحب المصنع بعض المال وبعض الحلوى، وألحقها عاملة في المصنع، ولكنها وفي لحظة مراجعة ترى أطفالها يمضغون أبيهم مع حلوى المصنع فتذهب فراراً إلى الجنون..
فكيف لمها السويفي أن تكتب هذا الجنون.. لا درب أمامها غير فضاء الشعر ووسيلة غير العزف على نبض مغاير، تبحث عن خيوط لا مرئية تجدل منها عالماً مرئياً، تتجلى خيوطاً رهيفة مع نشع دمها النازف من روحها رافضاً حالات التناقض.. فيسير السرد إلى مسارب متعددة والراوي يقع في اختبار الاختيار بين أن يكون راوياً عليماً أو محايداً أو ضمنياً أو حتى مصوراً فوتوغرافيا.. فتنصهر سهير المصادفة/ الكاتبة ذاتا ومعرفة وشعراً في جبلة تقفز عن مألوف السرد، وتقدم ضفيرة مغايرة، لا تملك معها غير اللهاث المخبوء بحثاً عن سمكه الجيتار تلك التي تمارس الحياة بقدرية مسبقة، وتمارس الغباء بأقصى حالات الذكاء والمراوغة "فتستدعي وفي الظرف المناسب ذلك العربي الجميل ربع القامة ذو اللحية المهذبة الأنيقة، الذي يقطع المدى..."
هل يتخلصون من جلدها السميك، يستلون لحمها ويلقون بالهيكل بعيدأً متفقد شكلها ولا يبقى منها غير غناء خافت تنبعث من الشرائح يصعد فوق صياح الصيادين المبتهجين..
فمن ينهش جلد مها السويفي ويتجشأ دبيب الغناء المترسب فيها؟
أحمد الدالي سليل الهزيمة يقف أمام الخيارات متعلقاً بالمواريث المزروعة فيه كابراً عن كابر.. يتفانى في حبها ولا يمل من الهروب إلى زوجات أخريات يبذر فيهن نسلاً يقفز عن موت الشهوات.
أم أنه أحمد منصور الذي رجمه قدره بها، فزوده بطاقة الانبهار التي أخذته إلى أقصى رجفات الشوق فيها.. هذا الرجل يشف حتى يصبح كائناً أسطورياً من خلال تهويماته وهو الباحث عن العدل في مواد القانون.. يتساءل عن السبب في اختيارها العيش مع نفايات الناس في حوض الجاموس وزوجها قادر وميسور.. وعندما لا يجد الإجابة تحط على أذنيه حبات المشمش وتكبر حتى تصبحا بحجم بيت أمه سكينة العمياء. فيعود إلى سيرة جده الأول الذي خرج حياً من رحم أم ميتة حملته تسعة أشهر يكبر ويتزوج امرأة غنية تبني له بيتاً من طابقين وتنجب منه منصور الذي تزوج جنية غاب معها وعاد ليتزوج سكينة العمياء التي تراه ببصيرتها.. وتنجب منه أحمد منصور. ليكون الآدمي الخارج من رحم الأسطورة .. أو الأسطورة الساكنة في الآدمي.. والذي يدرب حشراته على الذهاب إلى بيت مها السويفي لتحتل الأرض والجدران ومسامات الهواء في الحجرات.. فيما أحمد لا يفارق الشرفة يعيش معها حياةً أخرى تضج فيه يوماً وعذاباً.. يقص عليها أخبار عويضة ابن كفاية السباح الماهر، كيف قفز من فوق كوبري قصر النيل ولم يصعد لأن باخرة نهرية هشمت رأسه فترسب في القاع وكيف أحست أمه بالفجيعة وتساقطت عضواً عضواً دون ألم، وكانت تحتفظ بالأعضاء المتساقطة في حقيبة صغيرة، وعندما ماتت لم يجدوا شيئاً منها فأخذ يغسلون الأعضاء ويكفونها عضواً عضواَ ويعيدون ترتيبها حتى اكتملت ميتة بعد أن تشظت حية..
أي فنتازيا سوداء حاقدة يقدمها أحمد منصور، ونأخذك إلى تصديق اللامعقول ليصبح معقولاً بمصداقية القص ويصبح التأويل مقبولاً..
وما الذي سيحمله الغناء الصادر عن شرائح لحمها المسلوخ، وعاصم البلتاجي الشيوعي السابق ورئيس تحرير مجلة معروفة، عندما تعرت أمامه قذف سمة على الأرض، وافرغ فحولته وبقي مع حسرته، تأخذه شهواته المحتبسة إلى تناقض القول والفعل، ما جعل أحمد منصور يحدسه الموروث من بصيرة أمه سكينة العمياء أن يتعامى عن مقابلته بعد وساطة أحمد الدالي له ليعمل في الجريدة..
فهل ما أحدثته مها السويفي بأحمد منصور هو ما حدث مع البلغاري فينسي سلاف الذي ثقب حبها قلبه فهرب إلى بلاده حاملاً معه وجه أجمل امرأة في العالم..
* أربعة أشهر استمر النزف الأخير، طرحت مها السويفي جنبنها بين يدي انشراح البستاني التي أخذت تردد مذهولة من غدر القدر "كل النساء القبيحات ينجبن وأنت لا يستقر حمل في جوفك.." فيما مها عيناها الممتلئتان بالدموع مفتوحتان وشفتاها مضمومتان، وخلاصها أن يعزف جسدها أغنيته، وأن تسمع على الرغم من ارتطام الأمواج كما لو كانت تقرأ في البردية القديمة "لا تجعل الشمس تغرب وفي عينيك وقلبك دمعة حتى لا يحاسبك الإله في منامك.."
والظلام في حوض الجاموس دامس والحروب مستمرة، وانشراح البستاني تنقل السوق إلى سور المدرسة بعد أن نفذت النقود وأصبح التبادل مقايضة.. أحمد منصور يذوب وحيداً في مها السويفي وينتهي إلى حرق نفسه مع وابور الكيروسين فيتوهج.. فتخلع سكينة العمياء ملابسها وتنكش شعرها وتهيم على وجهها، حتى وجدت ميتة مطبوع عليها شعار الكف الأزرق.
ولأن الحياة لابد أن تستمر، فإن حجازي القط يموت أيضاً، وتحلق انشراح شعرها الجميل التي احتفظت به له، وتندب حظها.. ولكنها سرعان ما تعود لمواصلة رسالتها وتطلب من مها استحضار ثلاثين اسماً منها سبعة عشر للإناث وثلاثة عشر للذكور بعدد مواليد نساء الحي. حتى إذا مر مترو الأنفاق بالضاحية وفتحت المدارس الأجنبية يجلسون على مقاعد الدراسة.. في مرحلة الانفتاح التي ظهرت تباشيرها يتحول أحمد القط من تجارة المخدرات إلى الغناء ويصبح مطرباً مشهوراً لكن الفجيعة تظل برأسها فيموت ثلاثة أطفال دفعة واحدة، وتقرر انشراح إعادة ترميم مسجد القاضي وفرسه ليستقبل صلوات الناس يساعدها على ذلك مها السويفي التي تخصص أرباح أموالها المودعة في البنك للنهوض بالمسجد ودعى لمشاريع انشراح البستاني.
لكن أحمد القط يعود إلى الحوض تائباً ويصبح داعية ديني، يعلم الناس ويلقي عليهم الخطب، ويحكم على أمه بالموت رجماً ويهدم عليها الجار. فيترك الناس المدرسة ويعودون إلى العشش بعد انتهاء تجربة انشراح البستاني الاشتراكية ، وكأن كل من يفكر بالاشتراكية مصيره الرجم..
ما يجعل مها السويفي تعود إلى حادثة انتحار كمال اللبناني، المخرج السينمائي الفذ الذي حصل على عدة جوائز والذي يتهيأ للعودة إلى بلاده حاملاً اكتشافه الذي يجعل المشاهد يشم رائحة الوردة التي تظهر في الفيلم.. يقوم بتنفيذ الفكرة يقفز من النافذة عند درجة 30 تحت الصفر ويموت مرتطماً بالجليد..
فهل ستنظف فالنتينا جليد شوارع موسكو وتشم رائحة وردة كمال اللبناني، وهي من آمن بالاشتراكية وأخلص لها فعملت ممرضة في الحرب العالمية الثانية، ووقفت أمام تنور المخبز في الكلوجوز، وساقت الترام، وتبرعت براتبها للشعب.. لكن فالنتينا تموت في يوم الاحتفال بعيد الثورة، وكل ما فعلته السلطات، أن كرمتها بالدفن السريع، في الوقت التي تكتظ فيه الثلاجات بالجثث بانتظار دورها للدفن..
لكن الناس في موسكو ما زالوا ينتظرون فالينتنا ليطرحوا عليها من جديد سؤال لينين الخالد. ما العمل؟ والعمل ما أقدم عليه أحمد القط على نهج مغاير..
فلمن تغني الصافرات (عرائس البحر) وهل ستسحر الملاحين وهل ينجو منها اديسيوس.. وهل ستغلق سمكة الجيتار أذنيها وتستمر في الغناء كما فعل بتهوفن بعد أن فقد سمعة..
* يسافر أحمد الدالي وتدرك مها السويفي أنها سفرته الأخيرة (الغياب = الموت) فتصاب بالفجيعة وتيقن في لحظة كشف ان "الحب والموت حالة واحدة وأن التجاذب بين جسمين يجعل منهما جسماً واحداً له خصوصية مميزة له.. وان أي توحد بين كيانين يتكاملان ولا يجتمعان فأحمد الدالي رجل يجيد الفعل ويعيش الحياة وهي امرأة تجيد البوح وتتفرج على الحياة: فأي تكامل بينهما وعلى أي الخصائص يجتمعان؟"
هذا السؤال الذي تنطلق منه الرواية لتعود إليه..
وفي عودتها تترك أجنتها في المياه الضحلة خارج الشبكة حتى إذا كانت هذه الأجنة مازالت تحتاج إلى فترة حضانة، ستكون هادئة لا تحاول المقاومة.
لن تحاول الخروج مرة أخرى.. لذا تتخبط ولن تشكو الأسر ولن تغني أبداً للخلاص. ستتمنى فقط أن تسرد وبصوتها الحكاية حتى النهاية.
وها هو أحمد القط يبعد الناس عن مسجد القاضي بدعوى أن المرأة التي بنته سافلة ولا يعرف من أين جاءت بالنقود..
يعتصم الناس في بيوتهم ولا يخرجون إلى الصلاة في ظل زعامة القط، الذي أخذ يكفرهم.. وتخرج مها السويفي من حالة الفرجة على الحياة إلى محاول الفعل فتتصدى لأحمد القط. وتنجذب إليه وتشعر نحوه بمودة ويعبرها شيء كالحب. وتحاول رده عن أفعاله وتقع مغشياً عليها فيحملها إلى المستشفى.ز تنبض بين يديه وتسرب إليه بذرة عشق.
وفي غيبوبة النهاية تتجلى أمامها لغتها الأولى. ويطل عليها جسدها وهو يخبئ أمها عند مرور موكب الملك فاروق.. وينكرها عندما يسأله صديقه عنها ويدعي انها ابنة الجيران وعندما يعود للسؤال يخبره انها وأهلها غادروا إلى الإسكندرية..
وها هي بناءً على رغبتها أو رغبة زوجها، تعيش منفية في حوض الجاموس مع نفايات البشر تبحث في جحيمهم عن لؤلؤات مضيئة تتعرف على لؤلؤة روحها فيها.. الساكنة في أحد البشر..
فهل سكنت روحها في أحمد منصور الذي أحبها فاحترق أو في أحمد القط الذي لم يفارقها مدفع حياته ثمناً لذلك وتقبل ظلم أخيه الأصغر وتلميذه محمد القط الذي أوسعه ضرباً ونادى في حوض الجاموس ناطقاً بالحكم الجائر.
- لقد صبأ أحمد القط ابن العاهرة.
من الذي صبأ وكيف.. لا يعصمها من عذاب الأسئلة غير وجه صديق طفولتها الأسود الجميل ذو الشعر الأجعد الفنان نور الذي أحبها بصمت ولم يعلن عن محبته وهو الذي أحبته وأعلنت لكل من في المدرسة الإعدادية عن حبها له.. غاب نور لم يترك غير فرشاة وألوان وذكريات تحفظ الحقيقة الأولى.
هل تهيأت مها السويفي للرحيل أم ذهبت إلى غيبوبة التجلي للانطلاق في رحلة أخرى "منها هو العربي الأصيل قادم ليواصل ما انقطع من حديث. وها هو أحمد الدالي يطل عليها بوجه ديستونفسكي يرتل وبصوت ليس صوته مقاطع من كتاب الموتى". "قم لخبزك هذا الذي لا يمكن أن يجف، وجعتك التي لا يمكن أن تصير فاسدة اذ بها تصبح روحاً"
* هكذا تكون النهايات أو ربما تطل البدايات.
مها السويفي. ينتهي النزف طارداً أمامه آخر النبض، مشرعاً البوابات لرجفات نبض جديد.. تخرج من مسجد القاضي محمولة على الخشبة المعبقة بالرماد تطير بها المحفة إلى مقابر الصدقات. ويكتشف أحمد الدالي أنه نسى وبشكل مطلق ملامحها الذي كان يحفظها طوال حياته فأخذ يصيح:
- طيري يا مها.. أمامك البحر وخلفك هذا الخراب العظيم.. طيري وحددي لي مصيري.. وفي البيت يفتح الدرج المحرم عليه، ويواجه مخطوطها الضخم.. يحرق جميع اللوحات الساكنة فيها.. ينثر الرماد على البلاط يوزعه في صورة امرأة فاردة ذراعيها وفاتحة ساقيها.. يضع المخطوط بين ذراعيها تارة وبين ساقيها تارة أخرى..
أما نجوى الساكنة الأزلية في البيت المهجور لم تخرج من الصمت أو عنه واكتفت بمطالب محدودة لم تلتفت الى تورم يديها الراتحة المنبعثة منها والتي يؤكد الناس أنها ليست بالرائحة المكروهة ولا المحببة.. هي الرائحة التي شمها أحمد الدالي قبل موته بساعات وكشف عن نجوي السواد ليرى أتعس وأرق جسد شاهدة لامرأة عذراء معطرة بدمع ندى..
فهل رأى في نجوى الوجه الحقيقي والبهى لمها.. وهل كانت نجوى آخر انفجاراته تقول مها:
"فقد نامت يومين كاملتين عارية على بلاط الغرفة المجاورة لانتحاره المفاجئ ولملمت حينما استيقظت ملابسها السوداء المبعثرة في جميع الأركان، ولملمت آخر مذاق لشفتيه وأماكن أسنانه على جسدها المنهك. وعلى الرغم من قرصها المتكرر لأذنيه وتكبيرها فيها وعلى الرغم من هزها المتواصل ليديه وقدميه، وعلى الرغم من قراءتها العميقة لتوسل وذعر عينيه المفتوحتين، فإنها لم تجد وسيلة تتحقق بها من موته إلا حك رغبتها الأخيرة في رخاوة ذبول اسمر ينام على جمال آسر لمن هيأ نفسه أخيراً لي"..
أي انفجار هذا الذي يسدل الستار على حيوات انصهرت في حياة، وأي تشظي يرافق ما بعد الانفجار ويتوزع في المساحات، كلما ابتعد عن مركز الفعل زاد تألقاً وتأثيراً ضارباً قوانين العلاقة بين المركز والمحيط في لعبة الدائرة التي تحدد نقطة بدايتها موئل نهايتها..
فهل أودعت سهير المصادفة أسرارها في سمكة الجيتار
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://aboroka.ahlamontada.com
 
تلك المقالة أعجبتنى
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
القصبى شرق  :: المنتدى العام :: مواضيع عامة-
انتقل الى: